سورة الحج - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{حُنَفَاءَ لِلَّهِ} مخلصين له، {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} قال قتادة: كانوا في الشرك يحجون، ويحرمون البنات والأمهات والأخوات، وكانوا يسمون حنفاء، فنزلت: {حنفاء لله غير مشركين به} أي: حجاجا لله مسلمين موحدين، يعني: من أشرك لا يكون حنيفا.
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ} أي: سقط، {مِنَ السَّمَاءِ} إلى الأرض، {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} أي: تستلبه الطير وتذهب به، والخطف والاختطاف: تناول الشيء بسرعة. وقرأ أهل المدينة: فتخطفه بفتح الخاء وتشديد الطاء، أي: يتخطفه، {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ} أي: تميل وتذهب به، {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي: بعيد، معناه: بعد من أشرك من الحق كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير، أو هوت به الريح، فلا يصل إليه بحال. وقيل: شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تسقطه الريح، فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق، وقال الحسن: شبه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها.


{ذَلِكَ} يعني: الذي ذكرت من اجتناب الرجس وقول الزور، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} قال ابن عباس {شعائر الله} البدن والهدي، وأصلها من الإشعار، وهو إعلامها ليعرف أنها هدي، وتعظيمها: استسمانها واستحسانها. وقيل {شعائر الله} أعلام دينه، {فإنها من تقوى القلوب}، أي: فإن تعظيمها من تقوى القلوب. {لَكُمْ فِيهَا} أي: في البدن قبل تسميتها للهدي، {مَنَافِعُ} في درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو أن يسميها ويوجبها هديا، فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها، هذا قول مجاهد، وقول قتادة والضحاك، ورواه مقسم عن ابن عباس.
وقيل: معناه لكم في الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هديا بأن تركبوها وتشربوا ألبانها عند الحاجة {إلى أجل مسمى}، يعني: إلى أن تنحروها، وهو قول عطاء بن أبي رباح.
واختلف أهل العلم في ركوب الهدي.
فقال قوم: يجوز له ركوبها والحمل عليها غير مضر بها، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، لما أخبر أبو الحسن السرخسي، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال له: «اركبها»، فقال يا رسول الله إنها بدنة، فقال: «اركبها ويلك»، في الثانية أو الثالثة، وكذلك قال له: «اشرب لبنها بعدما فضل عن ري ولدها».
وقال أصحاب الرأي: لا يركبها.
وقال قوم: لا يركبها إلا أن يضطر إليه.
وقال بعضهم: أراد بالشعائر: المناسك ومشاهدة مكة. {لكم فيها منافع} بالتجارة والأسواق {إلى أجل مسمى} وهو الخروج من مكة.
وقيل: {لكم فيها منافع} بالأجر والثواب في قضاء المناسك. {إلى أجل مسمى}، أي: إلى انقضاء أيام الحج.
{ثُمَّ مَحِلُّهَا} أي: منحرها، {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي: منحرها عند البيت العتيق، يريد أرض الحرم كلها، كما قال: {فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: 28] أي: الحرم كله.
وروي عن جابر في قصة حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم».
ومن قال: الشعائر المناسك، قال: معنى قوله: {ثم محلها إلى البيت العتيق} أي: محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق، أي: أن يطوفوا به طواف الزيادة يوم النحر.


قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} أي: جماعة مؤمنة سلفت قبلكم، {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} قرأ حمزة والكسائي بكسر السين هاهنا وفي آخر السورة، على معنى الاسم مثل المسجد والمطلع، أي: مذبحا وهو موضع القربان، وقرأ الآخرون بفتح السين على المصدر، مثل المدخل والمخرج، أي: إراقة الدماء وذبح القرابين، {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ} عند نحرها وذبحها، وسماها بهيمة لأنها لا تتكلم، وقال: {بهيمة الأنعام} وقيدها بالنعم، لأن من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير، لا يجوز دخلها في القرابين.
{فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: سموا على الذبائح اسم الله وحده، فإن إلهكم إله واحد، {فَلَهُ أَسْلِمُوا} انقادوا وأطيعوا، {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} قال ابن عباس وقتادة: المتواضعين. وقال مجاهد: المطمئنين إلى الله عز وجل، والخبت المكان المطمئن من الأرض. وقال الأخفش: الخاشعين. وقال النخعي: المخلصين. وقال الكلبي: هم الرقيقة قلوبهم. وقال عمرو بن أوس: هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9